الديمقراطية… دين أم سياسة؟!

ساخت وبلاگ

الديمقراطية… دين أم سياسة؟!

بقلم؛ اليمان بن عبد الله السلمان

الحمد لله رب العالمين، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وتمسك بسنته الى يوم الدين.

وبعد…

كثر الكلام والجدال حول الديمقراطية وأختلفت الآراء حولها…

• بين من عدَّها لا تتناقض مع الدين ودعا الى تطبيقها، وأنها وسيلة حضارية لتحقيق مصالح الدعوة.

• وقسماً آخر؛ عدها ديناً متناقضاً ومحاربا لدين الله تعالى، وأعلن كفره بها، وتبرأ منها، لأنه يعدها طاغوتاً جديداً.

قال أبن تيمية رحمه الله: (الأسماء ثلاثة أنواع؛ نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف…).

ولما كان لفظ الديمقراطية لم يرد في الشرع، ولا هو مما تعرفه العرب من لغتها، فلا بد لمعرفة معناه وحقيقته من الرجوع الى عرف أهله الذين وضعوه.

إن أصل لفظ الديمقراطية؛ يوناني، وهي دمجً واختصار لكلمتين “ديموس”، وتعني الشعب، و”كراتوس”، وتعني الحكم أو السلطة أوالتشريع، ومعنى هذا أن الترجمة الحرفية للديمقراطية هي “حكم الشعب”.

كما يجب علينا معرفة كيف نشأت الديمقراطية وما هي الظروف التي كانت سبباً في ظهورها، وإن نشأة الديمقراطية وما صاحبها من أفكار؛ كانت كرد فعل للطغيان الذي مارسه الملوك ورجال الكنيسة على الناس بإسم الدين، فكفر الناس بهذا الدين الذي كان سبب شقائهم واستعبادهم وأتخذوه وراءهم ظهرياً، وكان أحد شعارات الثورة الفرنسية؛ “أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”.

فهي في أصل نشأتها تمردٌ على سلطان الله لتعطي السلطان كله للإنسان، ليضع نظام حياته وقوانينه بنفسه دون أي قيود، أي؛ أعطت حق التشريع للأنسان.

فهذا يعني أن المألوه – المعبود المطاع – من جهة التشريع هو الإنسان وليس الله جلَّ ثناؤه، وهذا مغاير ومناقض لأصول الدين والتوحيد، يدل على ذلك قوله تعالى: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

وكذلك الحديث الذي يرويه الأمام أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه – كان نصرانياً فأسلم – قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ سورة براءة، حتى أتى على هذه الآية {أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله…}، فقلت: يا رسول الله إنّا لم نتخذهم أرباباً؟! قال: (أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل لكم فتحرمونه؟)، فقلت: بلى، قال: (تلك عبادتهم).

قال الآلوسي في تفسير هذه الآية: (الأكثرون من المفسرين قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم، بل المراد انهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم).

الديمقراطية؛ تعني “السيادة للشعب”، أما في الإسلام فالسيادة لله تبارك وتعالى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (السيد الله تبارك وتعالى) [رواه أبو داود، وإسناده صحيح].

الديمقراطية؛ تعني رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب وليس الى الله والرسول، وهذا مناقض لقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}.

الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ أعتبار وإقرار موقف ورأي الأكثرية – مهما كان نوع هذه الأكثرية، وأيا كان موقفها – سواءٌ وافق موقفها الحق أم لا، فالحق في نظر الديمقراطية والديمقراطيين هو ما تجتمع عليه الأكثرية، ولو أجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح، وهذا خلاف ما جاء به الإسلام؛ فالحق ما وافق الكتاب والسنة وإن أجتمعت جماهير الناس خلاف ذلك، فالحكم لله وحده وليس للأكثرية، قال تعالى: {وإن تطع أكثر مَن في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}.

الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ التصويت – على أي شيء ولو كان قواعد الدين وأصوله الثابتة – ولو كان المُصَّوت عليه هو شرع الله سبحانه وتعالى، وهذا مناقض لقوله تعالى: {ما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيَرةُ من أمرهم}.

الديمقراطية؛ تعني في المجال الاجتماعي إطلاق الحريات الشخصية دون قيود، كحرية الكفر وحرية الزنا والعري وشرب الخمر وغيرها، قال تعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً}، وهذا مناقض لما يجب القيام به نحو الكفر والمنكر من تغيير وإنكار، قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، أي لا مناص من إنكار المنكر وتغييره، ولو في القلب عند حصول العجز عن إنكاره باليد واللسان، أما ان يمتد التعامل مع المنكر الى حد الرضا به أو المطالبة به؛ فهو عين الكفر البواح.

أن الإسلام عندما يرفض “الديمقراطية” فأن له تشريعا خاصا به في باب المشورة، ولا يلغي ضرورة مراجعة أهل الاختصاص في إنفاذ الأمور وتسيير شؤون الدولة، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه رضي الله عنهم وينزل على رأيهم على الرغم من عصمته وإستغنائه عن آرائهم، ولكنه أراد أن نتأسى به ونتذكر حاجتنا الى المشورة.

مما تقدم يتضح لنا؛ أن الديمقراطية حكمها في دين الله تعالى هو الكفر البواح، فلا يمكن لمسلم أن يدخل فيها أو أن يدعو إليها، فهذا ارتداد عن الدين وخروج من الملة.

والكفار حين لجؤا الى الديمقراطية والى وضع الدساتير فلأنهم ليس لهم دين صحيح أو شريعة مستقيمة يرجعون إليها، وقد ذاقوا الويلات من ديانتهم المحرفة التي يبدل فيها الأحبار والرهبان كما يشاءون، فأصطلح الكفار على وضع كتب تحقق مصالحهم بحسب ما تدركه عقول البشر القاصرة – وهي الدساتير – وصاروا يحتكمون إليها كأنها كتب سماوية.

أما نحن المسلمين فقد أغنانا الله عن ذلك، فشريعتنا مصونة محفوظة من التبديل والتحريف، وشريعتنا كاملة تغني عما عداها، فلماذا نترك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقلد الكفار؟

إن الله سبحانه وتعالى قد أعطانا منهجاً كاملاً لحياتنا في ديننا ودنيانا، ولم يتركنا جل وعلا نطبق هذا المنهج وهذه الشريعة باجتهادنا وعلى أهوائنا، وأنما أعطانا الطريق لإقامة هذا المنهج وإقراره، قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قويٌ عزيزٌ}، وقال تعالى: {وكفى بربك هادياً ونصيراً}.

قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله: (كتابٌ يهدي وسيفٌ ينصر).

فهذا هو الطريق الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى وسار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، فهم آمنوا بالله وحده وأعلنوا البراءة من جميع الكفار ومعبوديهم، ولم يجاملوا الكافرين أو يداهنوهم، وإنما أمتثلوا أمر الله سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، وأعلنوا الجهاد ضد كل طواغيت الأرض في سبيل نشر توحيد الله سبحانه وتعالى وإقرار حاكميته في الأرض، ففتحت لهم آفاق الأرض ودانت لهم كل طواغيتها.

ولم يزالوا كذلك يفتحون الأمصار تلو والأمصار، ويجتازون الصحاري والبحار، الى أن تخلت الأمة عمَّا أمرها الله به وتركت الجهاد، فذهبت عزتها وسقطت هيبتهم، وحقَّ عليها قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قومٌ الجهاد إلا أذلهم الله).

واقتضت مشيئة الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ علينا بعودة روح الجهاد الى الأمة في هذا الوقت، بعد تخاذلٍ وتقاعسٍ دام مدة طويلة من الزمن، فهذا هو الطريق الذي أراده لنا الله سبحانه وتعالى وطبَّقه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسار عليه أصحابه والتابعون من بعده، وبه تحقق عزة الأمة وتمكينها في الأرض.

فكيف يمكن لمسلم أن يترك طريق محمد صلى الله عليه وسلم ويتبع طريق الكفار ويدخل في الديمقراطية – دين الكفار – ويدعي أنه يستطيع أن يغير من خلالها وأن يحقق أفضل مما يحققه في طريق محمد صلى الله عليه وسلم؟!

فهذا هو واقع حال الذين أتبعوا الكفار ودخلوا في ديمقراطيتهم وتركوا منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم وطريقه الواضح وطعنوا في الجهاد والمجاهدين، فلا ينبغي لمن هذا حاله أن يدعي أنه من المسلمين المؤمنين، فالإسلام وحالٌ هذا وضعه لا يجتمعان في دين الله أبدا.

روشنگران...
ما را در سایت روشنگران دنبال می کنید

برچسب : نویسنده : rawshangarana بازدید : 111 تاريخ : يکشنبه 1 آبان 1401 ساعت: 21:06